• تنمية
    مايو 08، 2024

    حماية الأبنية التراثية في بيروت

    • رشا عاقل
    حماية الأبنية التراثية في بيروت
    المصدر: كلوديو نابولي عبر فليكر

    في إطار جهود المناصرة التي يبذلها المركز اللبناني للدراسات في سبيل تحقيق تعافٍ مستدام من انفجار مرفأ بيروت، يكون محوره ووجهته الإنسان وكرامة عيشه. وتماشيًا مع مساعيه الرامية إلى تعزيز العدالة الاجتماعية المُنصِفة والشاملة للجميع، وبناء الثقة بين الأفراد والكيانات الجمعية والحكومة اللبنانية، أقام المركز شراكة مع منظّمة الشفافية الدولية وفرعها الوطني، أي منظمة الشفافية الدولية لبنان- لا فساد، لإصدار "مرصد الإصلاح". ترتبط المواضيع التي يغطيها المرصد بمجالات الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار، ويندرج نشره في إطار مشروع بناء النزاهة والمساءلة الوطنية في لبنان ("بناء") المموّل من الاتحاد الأوروبي. الآراء الواردة فيه لا تعكس بالضرورة وجهة نظر الجهة المانحة.

     

    ما هي القضية المطروحة؟

    أدّى انفجار مرفأ بيروت المدمّر في 4 آب/ أغسطس 2020 إلى مقتل أكثر من مائتي شخص وإصابة أكثر من ستة آلاف،  وألحق أضرارًا بحوالي سبعة وسبعين ألف شقة موزّعة على عشرة آلاف مبنى تقع ضمن محيط ثلاثة كيلومترات من الانفجار (تقييم سريع للأضرار والاحتياجات، البنك الدولي، 2020؛ موئل الأمم المتحدة، 2020؛ إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار في لبنان 3RF،  2020). وأدى الانفجار إلى أضرار واسعة النطاق قدرت بنحو 3.8 إلى 4.6 مليارات مقابل خسائر تراوحت بين 2.9 و3.5 مليار دولار، وكان قطاع الإسكان الأكثر تضررًا 3RF, 2020)). كما تعرّض عدد كبير من الأبنية التراثية في العاصمة لأضرار جسيمة أسفرت عن أزمة وجودية.

     

    تنطوي الأطر القانونية الدولية، مثل اتفاقية اليونسكو بشأن حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي، على تعريفٍ للتراث الثقافي الذي يشمل المواقع الأثرية، ومجموعات الأبنية، والمواقع التراثية. وتندرج الأبنية التراثية إلى حد كبير ضمن الفئة الثانية التي تتكوّن من مجموعات الأبنية (سواء المنفصلة أو المتصلة) التي لها قيمة عالمية متميزة من منظور تاريخي، أو فنّي، أو علمي. وتنبع هذه القيمة من هندستها المعمارية، أو تجانسها، أو موقعها داخل المشهد الطبيعي (المادة 1).

     

    خلافًا للقانون الدولي، لا يحدّد القانون اللبناني أي تعريف أو خصائص للمباني التراثية، أو حتى الفترة الزمنية التي تنتمي إليها. في الواقع، تعود معظم الأبنية التراثية في لبنان إلى العهد العثماني وإلى فترة الانتداب الفرنسي. وهي لا تعكس خصائص معمارية معينة فحسب، بل تكتسب أيضًا أهمية ثقافية واجتماعية كبيرة لأنها تتضمن عناصر ثقافية تتمثل في الحرفيات وفي التقاليد الموروثة في تلك الأحياء (مكتب الاستشارة القضائية، 2021). ووفقاً للتقرير الأولي للمديرية العامة للآثار (بو عون، 2020؛ رشدي، 2022)، بلغ عدد الأبنية التراثية المتضررة من الانفجار ستمائة وأربعين مبنى.

     

    يحدّد قانون البناء والمخطط الرئيسي لبيروت (تقسيم المناطق) معدلات استثمار مرتفعة للغاية في أقدم مناطق المدينة (بو عون، 2020)، مما يزيد من اهتمام شركات التطوير العقاري بهذه المناطق التاريخية التي تقدّم فرصًا مربحة جدًا لمشاريع التطوير العقاري. لذلك، لم يكن مستغربًا أن يتلقى أصحاب الأبنية التراثية الثقافية عروضًا مغرية لبيع ممتلكاتهم بعد الانفجار (بو عون، 2020؛ رشدي، 2022).

     

    وإذ أصبحت حماية تراث بيروت ضرورة ملحة وطارئة، صدر في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 القانون رقم 194 المتعلق بحماية المناطق المتضررة والمتأثرة بانفجار مرفأ بيروت وإعادة إعمارها. ونصّت المادة 3 من القانون على تجميد الصفقات العقارية في المناطق المتضررة لمدة عامين، تقوم خلالهما وزارة الثقافة بإعداد خطة محددة لإعادة بناء الأبنية والأحياء التاريخية وحمايتها بطريقة مستدامة.

     

    كما يتضمن القانون، في المادة 7، نصًا خاصًا يتعلق بالمحافظة على الأبنية التراثية، علمًا بأنّ هذه المادة لا تتناول سوى الأبنية التراثية الواقعة في المناطق التي حددها المرسوم (المدوّر، الرميل، الصيفي، ومرفأ بيروت) (مكتب الاستشارة القضائية، 2021). ونصت المادة 7 على أنه لا يجوز إعادة بناء الأبنية التراثية المهددة أو المتضررة إلا بتصريح من وزارة الثقافة، مع المحافظة على نفس المواصفات والمظهر الخارجي للمباني المهدمة أو المتضررة.

     

    خلفية عن الإطار القانوني لحماية التراث المبني

    صحيح أنّ لا وجود لقانون محدد في لبنان لحماية التراث المبني، إلا أن الأبنية التاريخية تخضع حاليًا لقانون الآثار القديمة الذي صدر بالمرسوم رقم 166 عام 1933، ولم يتمّ تعديله منذ فترة الانتداب الفرنسي (مكتب الاستشارة القضائية، 2021؛ مكتبات الجامعة الأميركية في بيروت، أدلّة المكتبات). ويحمي قانون الآثار كل ما بني قبل عام 1700 (المادة 1). أما الأبنية التراثية التي تمّ تشييدها بعد عام 1700، فتعتبر آثاراً خاضعة لهذا القانون إذا كان الحفاظ عليها يخدم المصلحة العامة (تاريخيًا وفنيًا)، وإذا كانت مسجلة في قائمة الجرد العام للمباني التاريخية (المادة 1). (هارون وعبد المسيح، 2013).

     

    وبحسب المادة 21 من قانون الآثار، تشمل قائمة الجرد الآثار القديمة غير المنقولة التي تعود ملكيّتها للدولة، والأفراد، والأبرشيات، والشركات، والطوائف، ويندرج الحفاظ عليها ضمن المصلحة الفنية أو التاريخية العامة. ومنذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990، تمثّلت الآلية الوحيدة لمنع التهديم بإدراج هذه الأبنية التراثية على هذه القائمة. ويجري حاليًا تسجيل الأبنية التراثية على قائمة الجرد بناءً على اقتراح مدير عام الآثار (بو عون، 2020).

     

    يضع قانون الآثار خطوتين متكاملتين لحماية الأبنية التراثية، حيث تنطوي الخطوة الأولى على تسجيل العقارات التاريخية في قائمة الجرد العامة، بينما تنطوي الخطوة الثانية على تسجيل المبنى رسميًا بصفته مبنى تراثيًا بناءً على مرسوم صادر عن مجلس الوزراء (مكتب الاستشارة القضائية، 2021). وقد تم اقتراح مشروع قانون بشأن حماية الأبنية التراثية على مجلس النواب عام 2017 (المرسوم رقم 1936)، لكن لم يتمّ إقراره حتى الآن.

     

    أما بالنسبة للأطر القانونية الدولية التي تنص على حماية التراث المبني، فقد صادق لبنان على اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، بموجب القانون رقم 19/1990. وبصفة لبنان دولة موقعة على هذا الصك، يقع على عاتق الحكومة اللبنانية واجب ضمان تحديد التراث الثقافي والطبيعي الواقع على أراضيها، وحمايته، وحفظه، وعرضه، ونقله إلى الأجيال المقبلة (المادة 4).

     

    من أجل تنفيذ هذا البند، يقع على عاتق الحكومة واجب دمج حماية التراث الطبيعي والثقافي في برامج التخطيط الشاملة، وإنشاء خدمات لحماية التراث والحفاظ عليه، وإجراء البحوث التي من شأنها أن تساعد في التصدّي للأضرار التي تلحق بالتراث، واعتماد التدابير المناسبة اللازمة لتحديد هذا التراث، وحمايته، وحفظه، وعرضه، وإعادة تأهيله (المادة 5).

     

    حدود الإطار القانوني

    ينطوي قانون الآثار على العديد من الثغرات التي تعيق حماية النسيج العمراني للأحياء التراثية بشكل فعّال. والجدير بالذكر أنّ هذا القانون يحمي الممتلكات الفردية أو المعزولة وحسب. أضف إلى ذلك أنّ غياب تعريف أو معايير واضحة لمفهوم "الطابع التراثي" قد ساهم في تقديم أصحاب الأملاك التماسًا أمام مجلس الدولة لإعفاء ممتلكاتهم، ونجحوا في رفعها من قائمة الجرد (بو عون، 2020).

     

    في جميع الأحوال، لا تتضمّن قائمة الجرد العامة سوى جزء من الأبنية التراثية. وعلى الرغم من أن المادة 7 من القانون 194/2020 تحظّر إنشاء أي حق عيني مهما كان نوعه على أي مبنى مدرج في قائمة جرد الأبنية ذات الطبيعة التراثية، لا يحمي هذا القانون سوى الأبنية المسجلة في قائمة الجرد. لذا، فإن القانون محدود من حيث التطبيق إذ لا يشمل الأبنية التراثية المتعددة والفئات الاجتماعية المقيمة في الفضاء الحضري (مكتب الاستشارة القضائية، 2021).

     

     

    ما أهمية الإطار القانوني؟

    يُعدّ إنشاء إطار قانوني يضمن استدامة التراث العمراني في بيروت أمرًا مهمًا لأنه يلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على الذاكرة الجماعية للمدينة وهويتها. علاوة على ذلك، يشكّل إنشاء هذا الإطار التنظيمي وتنفيذه الركيزة الثالثة لإطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار من أجل الحماية الاجتماعية، والإدماج الاجتماعي، والثقافة. ومن المهم تطبيق نهج محوره الإنسان خلال أعمال الترميم التي يجب أن تراعي العلاقة بين البيئة الحضرية، وعناصرها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية (رشدي، 2022).

     

    المراجع:

    Beirut Rapid Damage and Needs Assessment. 2020. Prepared by World Bank Group in cooperation with the European Union and the United Nations. 

     

    UN-Habitat.2020. Beirut Port Explosion Response – Beirut Municipality Rapid Building-Level Damage Assessment.

     

    Lebanon Reform, Recovery, and Reconstruction Framework (3RF).

     

    Beirut’s Heritage Buildings. University Libraries: Library Guides. American University of Beirut.

     

    Legal Clinic. Saint Joesph University. 2021.The Protection of Architectural Heritage.

     

    Cynthia Bou Aoun. 2020. Protecting Heritage Buidlings while Awaiting Law (1): Buildings whose Demolition Has Been Suspended in Beirut Decreased from 1016 to 485 [سينتيا بوعون. 2020. المفكرة القانونية. حماية الأبنية التراثيّة في انتظار القانون (1): الأبنية المجمد هدمها في بيروت تراجعت من 1016 إلى 485 ف  209

     

    Najat Rushdi. 2022. It Is Time to Act to Protect Beirut’s Cultural Heritage

    نجاة رشدي. 2022. يونسكو. حان وقت العمل لحماية تراث بيروت الثقافي

     

    Cynthia Bou Aoun. 2020. Heritage Buildings After the Beirut Explosion: Initiatives so that Solidere 2 is Not Repeated.

    سينتيا بوعون. 2020. الأبنية التراثيّة بعد انفجار بيروت: مبادرات كي لا تتكرّر سوليدير 2

     

    Cynthia Bou Aoun. 2020. Protecting Heritage Buildings while Awaiting Law (2): Draft Law for the Protection of Heritage Buildings. [سينتيا بوعون.2020. حماية الأبنية التراثيّة في انتظار القانون (2): مشروع قانون حماية الأبنية التراثيّة]

     

    UNESCO. Lebanon. Conventions.

     

    UNESCO. Convention Concerning the Protection of the World Cultural and Natural Heritage.

     

    Nadine Panayot, Haroun. Jeanine Abdul Massih. 2013. An Assessment of the Lebanese Heritage Law: From the Twentieth to the Twenty-First Century

     

    Lebanese University

    الجامعة اللبنانية. مركز الأبحاث والدراسات في المعلوماتية القانونية. التشريعات النافذة. إجازة إنضمام لبنان إلى اتفاقية اليونسكو لحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي. 

     

    رشا عاقل

    رشا عاقل هي باحثة مبتدئة في المركز اللبناني للدراسات. تحمل إجازة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا من الجامعة الأميركية في بيروت بدرجة امتياز عالٍ، وشهادة ماجستير في دراسات الهجرة من الجامعة اللبنانية الأميركية. خلال دراسة شهادة البكالوريوس، عملت عقل كمدرّسة خصوصية، وخلال دراستها العليا في الجامعة اللبنانية الأميركية، عملت كمساعدة باحث في معهد دراسات الهجرة.

اشتركوا في نشرتنا الإخبارية
شكرًا للإشتراك في نشرتنا الإخبارية